لقد حقق التطور التقني لتكنولوجيا المعلوميات مزايا كثيرة ومنافع جمة للبشرية شملت جميع مناحي الحياة، لكنه حمل في طياته كذلك مخاطر كثيرة، الأمر الذي حتم على الأنظمة التشريعية نهج إستراتيجية متكاملة لمواجهة الإجرام المعلوماتي، وذلك عن طريق سن قوانين جنائية فعالة تتناول كافة أدوار أجهزة العدالة الجنائية في المجتمع تشريعية وقضائية وتنفيذية، وتضمن تحقيق التوازن بين حق الأفراد في الاستخدام الحر والتام لتكنولوجيا المعلوميات وبين حماية خصوصياته. فهذا مطلب في الواقع ليس من السهولة بمكان تحققه في إطار العمل الانفرادي لكل دولة على حدة لاسيما وأن الجرائم التي ترتكب في بيئة الأنظمة المعلوماتية هي جرائم عابرة للحدود، وفي ظل هذا الوضع أصبح لزاما تكثيف الجهود على الصعيد الدولي لمكافحة أخطار الجرائم المعلوماتية والحد من انتشارها، حفاظا على حركية تطور وتقدم المجتمعات، خصوصا وأن هذه الأخيرة – على درجات تفاوتها من حيث توافر البنى التحتية الاتصالية، ومن حيث استخدام الانترنيت – مقبلة نحو الانصهار بشكل تدريجي في بوتقة المعلوميات. وقد استجابت فعلا بعض المنظمات الدولية والهيئات الإقليمية وأصدرت توصيات وتوجيهات بعضها ملزمة على أعضائها بإدراجها في قوانينها الداخلية. وفي إطار الجهود الانفرادية للدول لاحظنا- من خلال تعرضنا لمدى ملائمة النصوص الجنائية التقليدية لبعض جرائم الاعتداء على الأموال- إقدام جل الدول المتقدمة على صياغة نصوص جنائية جديدة تستوعب وتؤطر الجرائم التي تطال أنظمة المعالجة الآلية للمعطيات.