مغاربة يطلبون تدخل الملك .. سلطة حقيقية أم إخلال بتراتبية المؤسسات؟
تزايدت في الآونة الأخيرة رسائل وطلبات الاستعطاف الموجهة إلى أروقة القصر الملكي من طرف فئات مختلفة من المواطنين الراغبين في إيقاف نزيف معاناتهم وإيجاد حل لمشاكلهم، والتي غالبا ما تدور في فلك بعض القرارات الإدارية أو القضائية غير العادلة، فيما تحاول أخرى نيل عفو ملكي لتحرير قريب مسجون.
آخر رسائل المواطنين إلى ملكهم كانت عبارة عن عريضة إلكترونية عبر موقع "أفاز" الشهير، يطالبون من خلالها الملك محمد السادس من أجل التدخل واتخاذ التدابير اللازمة لإيقاف الجرائم وعمليات السرقة التي أصبحت تقض مضجع المواطنين المغاربة، وتوفير الأمن في جميع مناطق المملكة.
وقبلها لم يبد المواطنون أي تحفظ في بعث رسائل إلى البلاط الملكي من أجل حل مشاكلهم أو تحسين ظروف عيشهم كلما تردت أحوالها، مفضلين طريقا مختصرا يصل إلى القصر عوض المرور عبر السلطات الإدارية والقضائية، ما يطرح التساؤل حول إمكانية فقدان المغاربة الثقة في أجهزة ومؤسسات الدولة والأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني التي من المفترض أن تدافع عن حقوق المواطنين.
اللجوء إلى السلطة الحقيقية
لجوء بعض المغاربة إلى الملك من أجل التدخل في بعض القضايا اعتبره المعطي منجب، مؤرخ وناشط حقوقي ومحلل سياسي، "أمرا منطقيا للغاية، لكون هؤلاء المغاربة يعلمون جيدا أن صاحب السلطة الحقيقية هو الملك، وهي الحقيقة التي تتبين لهم أكثر من المناضلين والسياسيين المغاربة"، وفق منجب.
وحول تجاهل دور جمعيات المجتمع المدني والأحزاب التي من المفترض أن تدافع عن حقوق المواطنين، قال منجب في تصريح لهسبريس: "لا أعتقد بأن الأحزاب أو الهيئات الحقوقية قادرة على الاستجابة لطلباتهم أو حل مشاكلهم بالسرعة اللازمة لذلك"، مضيفا أن "الناس منطقيون، ولديهم غريزة سياسية تدفعهم إلى التوجه إلى القصر لأنه القادر على حل مشاكلهم والاستجابة لمتطلباتهم".
وتعليقا على لجوء عدد من الشباب المغاربة في حملة "زيرو كريساج" إلى مراسلة الملك من أجل إيقاف نسب الجريمة المتصاعدة في الأحيان والمدن المغربية، أوضح المحلل السياسي أن "الناس يعرفون أن وزير الداخلية لا حول له ولا قوة، ولهذا يلجؤون إلى الملك، باعتباره صاحب السلطة".
"يجب احترام المؤسسات"
حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، اعتبر أن اللجوء إلى الملك أمر مستحب، "لكن يجب أن يظل الأمر موسوما بالحذر من وقوف جهات معينة وراء العرائض التي يتم إرسالها إلى القصر الملكي"، ما يشكل، بحسب شباط، "تشويشا على البلاد"، في إشارة إلى العرائض التي يتم تداولها عبر صفحات التواصل الاجتماعي.
وتعليقا على كون الملك هو صاحب السلطة، أشار شباط إلى أن "الإجابة عن سؤال من يحكم في المغرب تحتاج إلى سلسلة ندوات، ولا يمكن الإجابة عنه اعتباطيا"، مضيفا أن "المغرب لديه مؤسسات في مقدمتها ملك البلاد الذي لديه ملفات كبرى وقضايا أساسية، ثم رئيس الحكومة الذي تم انتخابه، إضافة إلى الجهاز الأمني، وهي المؤسسات التي يجب احترام تراتبيتها وعدم التشويش عليها"،على حد تعبير شباط.
وأردف زعيم الاستقلاليين، في تصريح لهسبريس، أن على المواطنين "اللجوء أولا إلى المؤسسات المخولة باستقبال عرائضهم وشكاياتهم كيف ما كانت، والمرور بملفاتهم عبر مراحل، قبل الوصول أخيرا إلى المؤسسة الملكية"، مضيفا: "الملك هو حكم بين الجميع، ورئيس الدولة، ولا أحد يمكنه منع المواطنين من التوجه إليه ومخاطبته بشأن قضاياهم".