أكاديميون يناقشون بأصيلة أهمّية الحكامة في تسيير الشأن العام

أجمعَ أكاديميّون في الجلسة الثانية لندوة "الحكامة (أو الحوْكمة) ومنظمات المجتمع المدني"، المنظمة في إطار الموسم الثقافي الدولي بأصيلة، على الأهمّية البالغة للحكامة في ترشيد تسيير الشأن العامّ، وتحصينه من المنزلقات التي لا تصبّ في مصلحة المجتمع، كما أكّدوا على الدور البارز الذي باتَ يلعبه المجتمع المدني لتعزيز الحكامة.
نزهة الصقلي، النائبة البرلمانية المغربية، استدلّت بقضية ما عُرف إعلاميا "نفايات إيطاليا" التي استأثرت باهتمام الرأي العامّ المغربي خلال الأيام الماضية، معتبرة أنَّ الدور الذي لعبه المجتمع المدني في التعبئة دفع بالفاعلين السياسيين إلى اتخاذ قرارات فوريّة، وتجاوبوا مع مطالب الشعب.
وأكّدت النائبة البرلمانية المغربية على أهمّية المجتمع المدني في تحقيق تعبئة مجتمعية مواكبة للإصلاح، قائلة إنّ السلطة "الديمقراطية سمفونية تتطلب عملا مشتركا، وتتطلب من القائد أن يحترم اختصاصات كلّ واحد، ويجب الاقتناع بأنّ السلطة يجب اقتسامها ولا يمكن لأحدٍ أن يمتلكها لوحده".
وفي ظلّ تنامي أدوار المجتمع المدني، خاصّة بعدَ التطوّرات والتغيرات السياسية التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال السنوات الأخيرة، قال تاج الدين الحسيني، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط، إنّ المجتمع المدني "تطبعه الضبابية"، على مستوى المفهوم؛ إذ لا توجد قوالبُ لصياغة المجتمع المدني، بل يفرض نفسه بإمكانياته.
وفضّل الحسيني استعمال التعريف الذي وضعه البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، والذي يعرّف المجتمع المدني بأنه النّسق الجديد من الوسائل والعلاقات التي تتمفصل بواسطتها مصالح الأفراد والمجتمعات، مشيرا إلى أنَّ العولمة خلقتْ فضاءات جديدة لممارسة المجتمع المدني لأدواره؛ حيث دفعت الشراكة بين العولمة وتكنولوجيا الإعلام والتواصل بالمجتمع المدني إلى الأمام.
وفيما ذهبَ بعض المتدخلين إلى القول إنَّ المجتمعَ المدني يشتغلُ في إطار الإصلاح ولا يميل إلى الثورة، أبْدى الحسيني معارضته لهذا الرأي، وقال إنّ مَنْ قادَ الثورات التي شهدها عدد من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هو المجتمع المدني وليس السياسيين، "فالمجتمع المدني له من الإمكانيات ما يجعله قادرا على إحداث التغيير، وسوء التعامل معه قدْ يشكّل خطرا"، يقول المتحدث.
في السياق نفسه، قالت أنيسة حسونة، عضو مجلس النواب المصري، إنّ عدم إدراك إرهاصات عمل المجتمع المدني وتأثيرها مستقبلا "أشبه بموجة تسونامي، قد تخلق شيئا أفضل وقد تأتي بالأسوأ"، مضيفة أنَّ ما يهمّ المواطن هو أن تكون الهيئات المنتخبة والمدنية في خدمته، بدَل الإغراق في الحديث عن المفاهيم، مثل الشفافية والمحاسبة، التي تُعتبر غير مفهومة لكثير من المواطنين، ويعتبرونها كليشيهات، ما لمْ تدفع هذه المفاهيم بالمؤسسات إلى تحسين حياة المواطنين.
فؤاد العماري، رئيس الجمعية المغربية للجماعات المحلية، تطرق في مداخلته إلى موضوع الشراكة بين المجتمع المدني والمجالس المنتخبة، وأهمّية أن تكون هذه الشراكة مبنية على أساس الحكامة، وقال: "أيّ شراكة من هذا النوع سيكون مآلها الفشل إذا لم تكن قائمة على الحكامة".
العماري أكد على أهمية الشراكة بين المجتمع المدني والمجالس المنتخبة لتدبير الشأن المحلي؛ حيث تمكّن هذه الشراكة الطرفين من جني ثمار الانفتاح على بعضهما، عبر المساهمة في صناعة القرار المحلي وبلورة السياسات العمومية المحلية وتتبع تنفيذها ومراقبتها، بما يحقق أقصى حدّ من النجاعة والمردودية وإشباع حاجيات المواطنات والمواطنين.
وتباينتْ آراءُ المتدخلين في ندوة "الحكامة (أو الحكومة) والمجتمع المدني"، في ما يتعلّق بتمويل منظمات المجتمع المدني، خاصة في الشق المتعلق بالتمويل الأجنبي. فبيْنما دعا بعضهم إلى ضرورة مراقبة هذا التمويل، دون أن يعني ذلكَ حرمان المنظمات من الاستفادة منه، قال الكاتب والمحلل السياسي المصري إنّ المنظمات تلجأ إلى التمويل الخارجي لأنها لا تجد من يموّلها في الداخل.